قال
ابن إسحاق : ثم فتر الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فترة من
ذلك حتى شق ذلك عليه فأحزنه فجاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه وهو
الذي أكرمه بما أكرمه به ما ودعه وما قلاه فقال تعالى : والضحى والليل إذا
سجى ما ودعك ربك وما قلى يقول ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك .
وللآخرة خير لك من الأولى أي لما عندي من مرجعك إلي خير لك مما عجلت لك من
الكرامة في الدنيا . ولسوف يعطيك ربك فترضى من الفلج في الدنيا ، والثواب
في الآخرة ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى يعرفه
الله ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ومنه عليه في يتمه وضلالته
واستنقاذه من ذلك كله برحمته . قال ابن هشام : سجى : سكن . قال أمية بن
أبي الصلت الثقفي :
إذ أتى موهنا وقد نام صحبي
وسجا الليل بالظلام البهيم
وهذا البيت في قصيدة له ويقال للعين إذا سكن طرفها : ساجية وسجا طرفها قال جرير بن الخطفي
[color:2061="rgb(153, 50, 204)"]ولقد رمينك - حين رحن - بأعين
يقتلن من خلل الستور سواجي
وهذا البيت في قصيدة له .
والعائل الفقير قال أبو خراش الهذلي
[color:2061="rgb(153, 50, 204)"]إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا
ومستنبح بالي الدريسين عائل
وجمعه عالة وعيل وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها - إن شاء الله
والعائل أيضا : الذي يعول العيال . والعائل أيضا : الخائف . وفي كتاب الله
تعالى : ذلك أدنى ألا تعولوا [ النساء 3 ] .
وقال أبو طالب
[color:2061="rgb(153, 50, 204)"]
بميزان قسط لا يخس شعيرة
له شاهد من نفسه غير عائل
وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها - إن شاء الله - في موضعها . والعائل أيضا
: الشيء المثقل المعيي . يقول الرجل قد عالني هذا الأمر أي أثقلني وأعياني
، قال الفرزدق :
[color:2061="rgb(153, 50, 204)"]
ترى الغر الجحاجح من قريش
إذا ما الأمر في الحدثان عالا
وهذا البيت في قصيدة له .
فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر أي لا تكن جبارا ولا
متكبرا ، ولا فحاشا فظا على الضعفاء من عباد الله . وأما بنعمة ربك فحدث
أي بما جاءك من الله من نعمته وكرامته من النبوة فحدث أي اذكرها ، وادع
إليها ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه
وعلى العباد به من النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله .
--------------------------------------------------------------------------------
فترة الوحي
فصل
وذكر فترة الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر مقدار مدة
الفترة وقد جاء في بعض الأحاديث المسندة أنها كانت سنتين ونصف سنة فمن هنا
يتفق ما قاله أنس بن مالك أن مكثه بمكة كان عشر سنين وقول ابن عباس : ثلاث
عشرة سنة وكان قد ابتدئ بالرؤيا الصادقة ستة أشهر فمن عد مدة الفترة وأضاف
إليها الأشهر الستة كانت كما قال ابن عباس ، ومن عدها من حين حمي الوحي
وتتابع كما في حديث جابر كانت عشر سنين . ووجه آخر في الجمع بين القولين
أيضا ، وهو أن الشعبي قال وكل إسرافيل بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -
ثلاث سنين ثم جاءه بالقرآن جبريل وقد قدمنا هذا الحديث ورواه أبو عمر في
كتاب الاستيعاب وإذا صح فهو أيضا وجه من الجمع بين الحديثين والله أعلم .
شرح شعر الهذلي والفرزدق
فصل
وذكر ابن إسحاق قول أبي خراش خويلد بن مرة الهذلي
[color:2061="rgb(153, 50, 204)"]إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا
ومستنبح بالي الدريسين عائل
الضريك الضعيف المضطر والمستنبح الذي يضل عن الطريق في ظلمة الليل فينبح ليسمع نباح كلب والدريس الثوب الخلق وقول الفرزدق :
ترى الغر الجحاجح من قريش
إذا ما الأمر في الحدثان عالا
قياما ينظرون إلى سعيد
كأنهم يرون به هلالا
يعني : سعيد بن العاصي بن أمية ، ويقال : إن مروان
بن الحكم حين سمع الفرزدق ينشد هذا البيت حسده فقال له قل قعودا ينظرون
إلى سعيد يا أبا فراس . فقال له الفرزدق : والله يا أبا عبد الملك إلا
قياما على الأقدام .
وذكر سبب نزول سورة الضحى ، وأن ذلك لفترة الوحي عنه وخرج البخاري من طريق
جندب بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى ، فلم يقم ليلتين أو
ثلاثا ، فقالت له امرأة إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك ، فأنزل الله
تعالى سورة الضحى .